لا زالت العملات الرقمية تواصل اقتحامها لمختلف النشاطات وصولا إلى عالم كرة القدم من خلال ما يعرف بـ”عملات المشجعين”، ذلك الاتجاه الذي يتعاظم شأنه يوما بعد يوم في ميدان الرياضة، رغم العديد من التساؤلات التي لا تزال تحاصره.
ومؤخرا أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” أن منصة “كريبتو دوت كوم” للعملات الرقمية، ستكون أحد الرعاة الرسميين لمونديال قطر 2022، في مؤشر على تنامي تأثير العملة الافتراضية في كرة القدم.
العملات الرقمية تشهد إرتفاعات هائلة في هذا الأسبوع
ويأتي إعلان “الفيفا” ليعطي العملات الرقمية دفعة إضافية لحضورها في كرة القدم، وخصوصا مع وجود لاعبين مشهورين مثل الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي يتلقى جزءا من راتبه في باريس سان جرمان الفرنسي بهذه الطريقة.
عملات

وتأكيدا على الاختراق الواضح للعملات الرقمية لميدان كرة القدم، كشفت دراسة أجرتها شركة “كي بي أم جي” البريطانية- الهولندية لخدمات المحاسبة، عن رعاية تلك العملات لما يقارب 40 قميصا لأندية في البطولات الخمس الكبرى الخاصة بهذه الرياضة منذ بدء جائحة كوفيد-19.
وبحسب ذات الدراسة، فقد ضاعف نادي إنتر ميلان الإيطالي، الدخل المرتبط بالراعي الرئيسي لقميصه، من خلال التخلي عن الشركة المصنعة للإطارات “بيريلي”، لصالح منصة “سوسيوس” للعملات المشفرة.
كذلك حجزت شركة “ديجيتال بيتس” مكانا لها على قمصان روما الإيطالي منذ يوليو 2021، بعد توقيع عقد مدته ثلاث سنوات، وصلت قيمته لقرابة 12.4 مليون يورو، حسبما ذكرت “فرانس برس” في تقرير لها.
وأتاح باريس سان جرمان عبر شراكة مع “سوسيوس”، دفع جزء من راتب ميسي على هيئة “رموز رقمية” بمقدور مشجعي النادي الباريسي شراؤها منذ العام 2020.
علما أن تلك الرموز تمكّن المشجعين من التصويت على أمور خاصة بالنادي كتصميم الستارة بين ممر غرف الملابس والملعب، أو العبارة المكتوبة على شارة القائد، أو الموسيقى المرافقة لدخول الفريق أرض الملعب مثلا.
ويجري تداول بعض العملات المرتبطة بالأندية الكروية كأي عملة رقمية أخرى على منصة “سوسيوس” عبر تكنولوجيا توفرها شركة “تشيليز” المتخصصة بتقديم منتجات مدعومة بتقنية “البلوك تشين”.
وهناك رموز غير قابلة للاستبدال يتم بيعها للمشجعين العاشقين لجمع التذكارات الرقمية المتعلقة بالنادي.
ويتم اقتناء عملة “تشيليز” بداية، لتستعمل بعد ذلك في شراء عملات المشجعين، القابلة للتداول على منصات العملات الرقمية و”سوسيوس”.
وتضرب الأندية من وراء “عملات المشجعين” أكثر من عصفور بحجر واحد، فهي تساعدهم في تعويض تراجع إيراداتهم كما حدث خلال جائحة كورونا، عندما توقفت العديد من النشاطات الكروية، ولعبت مباريات بدون جمهور.
و انخفض مدخول أهم 20 ناديا في أوروبا بنسبة 12 في المئة بالنسبة للسنة المالية لعام 2020 المنتهية في يونيو من تلك السنة، بحسب أرقام صادرة عن شركة “ديلويت” للاستشارات المالية.
كما تدافع الأندية عن هذه النزعة بأن الرموز الرقمية وسيلة جذابة، تساهم في تعميق التفاعل وتعزيزه، مع المشجعين من جميع أنحاء العالم.
وعبر ربط نفسها بأسماء برّاقة في عالم الرياضة، تراهن شركات العملات المشفرة على تألق جاذبية الاقتصاد الرقمي للجمهور، واضعة نفسها في المقدمة.
ويتيح وضع العلامة التجارية للشركات العاملة بهذا المضمار وربطها ذهنيا بقميص فريق ما أو ملعب معين، استقطاب المستثمرين، ودفع القطاع نحو مزيد من الأرباح.
وعلى الجبهة المقابلة، يرى محللون ماليون هذا النوع من الاستثمار مجرد “مقامرة” لأشخاص فضوليين يضعون أموالهم في سوق لا يفهمونها، متجاهلين خطورة كون العملات المشفرة ذات طبيعة متقلبة على نحو كبير.
علينا عند الحديث عن “عملات المشجعين” أن نأخذ عدة عوامل في الحسبان، فماهي الصلاحيات والامتيازات المتواضعة وغير المهمة التي تمنحها للجمهور مقابل استثماراتهم.
وألا يعتبر ذلك نوعا من استغلال عواطف الجمهور إزاء الفرق التي يعشقونها، ولماذا على هؤلاء الدفع ليكون لهم رأي في النادي الذي يشجعونه؟
من الضروري أيضا أن يتم فرض رقابة من طرف الأندية على حجم العملات التي تطرحها في الأسواق، من أجل الحفاظ على قيمتها، وتنفيذ المزيد من الرقابة على القطاع الذي يخضع باستمرار لتذبذبات وعمليات احتيال.
وينبغي أيضا أن نتساءل عن استدامة صفقات مثل هذه العملات، فبعضها سجلت نموا كبيرا سريعا، ثم عادت ففقدت بريقها أمام منافسين جدد، ليجد المشجعون أنفسهم محاصرين في متاهة أسواق التشفير عالية التقلب.
ويتوجب كذلك فرض ضوابط على قطاع الإعلانات المرتبط بهذه العملات، بحيث تماثل تلك المعتمدة في العروض الترويجية للأسهم ومنتجات التأمين، مع رسائل بوجود مخاطر استثمارية والإشارة للرموز الرقمية على أنها أحد الأصول المشفرة.
وأخيرا، تقع على عاتق الأندية أيضا مسؤولية اختيار الأطراف الذين ستتعامل معهم في مثل هذا المجال، لأنهم عبر هذه الشراكات يعطون الشرعية للعلامات التجارية.